يشرح أور شاي لماذا أهمّ ما يجب أن يقال حول ضمّ الأراضي هو كونه يناقض مصلحة الجمهور الإسرائيلي.

توقف مخطط نتنياهو لضم الأراضي في هذه المرحلة ولم يطبَّق في بداية تموز، ولكن ليس هنالك أدنى سبب يدفعنا للاعتقاد بأن الحكومة واليمين قد أهملوا الموضوع. نضالنا ضد خطة الضم سوف يرافقنا في الفترة القريبة، ومهم جداً مناقشة الأمر مبدئيًا وسياسيًا حتى نتمكن من إدارة هذا النضال. سيكون الضم بمثابة كارثة لإسرائيل، كما وسيكون عائقاً أمام المخططات المستقبلية للتوصل لاتفاقية سلام بالإضافة إلى أنه قد يؤدي إلى حرب قد تكلف الكثير من الخسائر البشرية. سيفرض الضم واقعًا يتم فيه إرسال الجنود لمناطق الضفة الغربية، والتصعيد الذي سيأتي نتيجة الضم سيُجبر الدولة على الاستثمار أكثر بالجيش على حساب الخدمات الاجتماعية, وبشكل خاص في فترة الأزمة الصحية والبطالة الجماعية.

اتفاقية سلام إسرائيلية-فلسطينية هي مطلب المجتمع الإسرائيلي، ذلك لأن استمرارية الصراع تسفر عن خسائر كبيرة وستكلف الكثير من الأرواح والميزانيات. مخطط الضم سوف يعزز سيطرة اليمين وتوسيع الاستيطان، ولكنّ المجتمع بأكمله سوف يدفع الثمن.

ومن وجهة النظر هذه، التي ترى بالنضال ضد مخطط الضم مصلحة للمجتمع الإسرائيلي، يجب البدء بإدارة هذا النضال ضد الضم، كما ويجب المباشرة بخوض حوار مع أطراف أخرى باليسار حول كيفية إدارة النضال. هناك اليوم توجهان منافسان في اليسار: التوجه الأول يرى بالفلسطينيين "تهديدًا ديمغرافيًا"، والتوجه الآخر الذي يرى بالضم قضية حقوق إنسان وقانون دولي. ونحن بحاجة لعرض توجّه ثالث.

التوجه الذي يعارض مخطط الضم لأسباب ديمغرافية يتم عرضه من قِبَل داعميه كنوع من الواقعية. إذا أخبرنا المواطنين أن نتيجة مخطط الضم ستكون دولة ثنائية القومية ذات أكثرية فلسطينية، سيُصدَمون ويعارضون الأمر بشدة. ولكن هذا التوجه خاطئ لسببين: السبب الأول على المستوى العملي والسبب الآخر على المستوى السياسي. التوجه الذي يرتكز على دوافع ديمغرافية خاطئ من ناحية عملية لأن اليمين لا يخطط لمنح المواطنة للفلسطينين مقابل ضم الضفة الغربية. هم يتصورون أن ملايين الفلسطينين سوف يستمرون بالعيش هنا، ولكن ببساطة ليس كأفراد متساوين معهم. نتيجة الضم لن تكون دولة ثنائية القومية، إنما حرباً وإراقة دماء. ولكنّ التوجه الديمغرافيّ هو خاطئ أيضًا كإستراتيجية سياسية. لا يمكن ترويج اليسار عن طريق إخافة المجتمع من العرب. بث الكراهية والخوف من " التهديد الديمغرافي" سوف يخدم خطاب التخويف ويخدم استمرار حكم نتنياهو. لكي يتمكن اليسار من العودة الى الحلبة السياسية وفرض نفسه فيها يجب أن يغير مساره، وهذا عن طريق تمكين وتدعيم الشراكة اليهودية-العربية والنضال ضد التخويف والتحريض من قِبَل اليمين.

التوجه الذي يرى بمخطط الضم كقضية حقوق إنسان يختلف عن التوجه الديمغرافي. بعكس الأخير، توجه حقوق الإنسان يرتكز على حقائق صحيحة: الاحتلال يؤدي فعلاً للمساس بحقوق الإنسان في الضفة الغربية، والضم أحادي الجانب لمناطق تم احتلالها في الحرب هو أمر مرفوض حسب القانون الدولي. المشكلة بهذا التوجه هو أنه لا يرى الصورة كاملة. الاحتلال هو ليس عبارة عن مجموعة أحداث عينية تتمحور حول استعمال غير شرعي للقوة، إنما هو سياسات وأجندة سياسية. بينما تقوم مؤسسات حقوق الإنسان بمهمة توثيق الجرائم وكشفها، وظيفة اليسار السياسي هي المحاربة من أجل توجّه سياسي آخر. والأهم من هذا كله: فإنّ العمل السياسي المرتكز على القيم الإنسانية أو القانون الدولي، لا يتيح لليسار إمكانية التأثير حقًا دون إيمان الناس بأنه يحمي مصالحهم أيضًا. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، كان هناك تأثير وصدى واسع للحراك ضد حرب العراق بسبب الخطاب الذي اتّبعه من البداية حول مصالح الشعب الأمريكي: ضد إرسال الجنود الأمريكيين لحتفهم وضد استثمار مليارات الدولارات في الحرب. إن كشف خرق حقوق الإنسان في الحرب أتى على خلفية على ما سبق، بعد أن اقتنع قسم كبير من المواطنين الأمريكيين أن الحرب هي ضد مصالحهم الشخصية.

في تاريخ إسرائيل هناك مثال لحركة معارضة عملت باسم مصلحة المجتمع في إسرائيل ونجحت في إيقاف الحرب. الاحتجاج ضد حرب لبنان ارتكز على مسألة مقتل الجنود الإسرائيليين. قام حينها المتظاهرون بتعليق لافتة كبيرة أمام بيت بيجين كُتِب عليها عدد الضحايا الذين لاقوا حتفهم بالحرب. بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، خرج الكثير من المواطنين الذين أدركوا أن الحرب تعمل ضد مصلحتهم وأن أحداث قد غير مقبولة أبدًا وقعت خلالها، للتظاهر في ميدان ملخي يسرائيل الأمر الذي أدى لانسحاب القوات الإسرائيلية من قلب لبنان. بعد عقد من الزمن، استخدمت حركة الأمهات الأربع شعار " لا أولاد لدينا لحروب لا لازمة لها" للقيام باحتجاج ضد استمرار الحرب. بالرغم من أن الحركة كانت تعكس توجه قسم قليل من المواطنين في بدايتها، ولكن بعد كارثة المروحيات تغير الرأي العام وأسفر ذلك عن إنهاء الحرب.

إذا كنا نرغب بانسحاب إسرائيل من الضفة الغربية مثلما انسحبت من جنوب لبنان، يجب أن نتحدث عن مصلحة الشعب الإسرائيلي في خطوةٍ مثل هذه. لكي نستطيع أن نكون حراك سلامٍ اشتراكيّ يجب ببساطة أن نقول الحقيقة: أن اتفاقية سلام إسرائيلية-فلسطينية هي مصلحة الأغلبية؛ أن الضم سيؤدي إلى تصعيد قد يحصد الكثير من الأرواح من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني؛ وأن المال الذي تستثمره إسرائيل في الاحتلال قد حان الوقت لاستثماره في الخدمات الاجتماعية. هذا صوت لا قليلًا ما يعتلي اليوم  المناخ السياسي الإسرائيلي، ووظيفة نقف معًا هي إطلاق هذا الصوت وإسماعه.

حين أنشأنا نقف معًا في ذروة انتفاضة السكاكين في عام 2015، نصبنا عاموديّ أساس يبنى عليهما الحراك الجديد: حراك سلام، يهود وعرب يحاربون الاحتلال معًا؛ وحراك اشتراكي، يعمل من أجل العدالة الاجتماعية. هذان الهدفان مرتبطان ببعضهما بعضًا، والنضال ضد الضم يجبرنا على النظر إلى وظيفتنا كحراك سلام من خلال قيمنا الاشتراكية. أن تكون اشتراكيًا معناه أن تحارب من أجل المصلحة الاجتماعية للغالبية العظمى في المجتمع، طبقة العمال والفئات المستضعَفة، أمام مصالح رؤوس الأموال والمؤسسة السياسية. النضال من أجل السلام هو جزء مهم للغاية من نضالنا هذا، وبدون التوجه الاشتراكي لن نقدر على إقناع المواطنين في إسرائيل برفض خطة الضم والاحتلال والسعي من أجل التوصل لاتفاقية سلام حيوية ولازمة لكافة سكان هذه البلاد.