في واقعٍ يبدو وكأنه مفقودًا وأحيانًا مسدود، يعرض داني فيلك ودوف حنين ما يمكن فعله وكيف ينبغي القيام بذلك. أجزاء مختارة من كتابهما "ما العمل الآن"

ترجمة: سميح غنادري

لشراء الكتاب بسعر مخفّض اضغطوا على الرابط وادخلوا الرقم5221 

مقدّمة

إشعال النور في الأيام المظلمة

هذا كتاب متفائل موجّه للمتشائمين أيضًا.

تفاؤل الكتاب ليس تفاؤلًا ساذجًا. نحن لا نقصد جنة عدن للحمقى السخفاء، ونعي كليًا درامية الواقع في القرن الحادي والعشرين وأخطارها العديدة، وأنه تهبّ رياح سيئة أثناء كتابة هذا الكتاب.

السؤال الأول الذي يجب أن نواجهه هو: هل بالإمكان الحديث عن تغيير هام للأفضل في العالم الاجتماعي الذي تبرز فيه بالذات تغييرات مقلقة نحو الأسوأ؟ نعتقد أن هذا ممكن. هذا هو الادّعاء المركزي في كتابنا.

لا نتجاهل الأخطار الموجودة، ولا نقلّل أيضًا من عظمتها، ولكننا ندّعي وجود فتحات ومنافذ نحو الأفضل إلى جانب وجود الأخطار والتهديدات الكامنة. سيكون بالإمكان إحداث التغيير إذا ما أتقنا تحليل الأوضاع وأشرنا، من خلال هذا التحليل، إلى استراتيجية للتغيير. وبناءً عليه، هدفنا هنا ليس فقط التخطيط لرؤيا مبنية على التغيير الإيجابي، وإنما أيضًا الإشارة إلى طريق وبرنامج عمل بهدف دفعها وتقدّمها عمليًا.

اليمين الراديكالي والليبرالية الجديدة

انتصار دونالد ترامب في انتخابات الولايات المتحدة في نوفمبر 2016 هو مجرّد تعبير، وإن كان غير دراميًا، عن الاتجاه العالمي المتواصل والواسع الإطار لمأسسة اليمين الجديد الهجومي صاحب القدرة والإمكانيات والسطوة في عدة دول أصبح يقود سلطاتها: في الولايات المتحدة وروسيا والبرازيل وتركيا والهند وهنغاريا وبولونيا. تُضاف إلى هذا أيضًا دول لا يسيطر عليها اليمين الهجومي، ولكن تزداد قوّته فيها وأصبح عمليًا يهدد سلطاتها.

لا تتشابه أحزاب اليمين الراديكالي الجديد، ولكن يوجد بينها ما هو مشترك وعميق. قومجية تصل إلى حدود العنصرية، وسياسة تقدّس القوة كأداة لحل المشاكل الاجتماعية – (بيانات وبلاغات قتالية حربية، طرد لاجئين، قمع عنيف للمظاهرات ولمعارضي السلطة) – والصلاحية والمواقف المعادية للمساواة القومية، الجندرية، الطبقية والإجتماعية.

ثمة أمر مشترك إضافي يميّز تلك الأحزاب وهو أنها تحظى بدعم انتخابي من خارج الحدود الطبقية، وهي أحزاب قويّة خاصة بين الفئات المجتمعية المتضرّرة من العوْلمة والليبرالية الجديدة.

سيعاد ذكر مصطلح "نيو–ليبرالية" أكثر من مرة فيما يلي. ولكن من المهم القول منذ الآن أنه يوجد فيه ما يؤدي إلى اللغط. النيوليبرالية هي موقف سياسي–اجتماعي ليس جديدًا وليس ليبراليًا أيضًا. جرت مركزة وتحديد هذا المصطلح كتسمية لنموذج سياسي–اجتماعي يرى في الإنسان مخلوقًا أنانيًا كل هدفه مضاعفة أرباحه الشخصية.

إلى أين نتجه من هنا؟

وصفت الثورية اليهودية الألمانية روزا لوكسمبورغ الخيار الذي ستتوّصل إليه البشرية بأنه "الاشتراكية أو البربرية الوحشية". وحقًا يظهر العصر الحالي وكأنه زمن العبور نحو البربرية.

ظهر في بداية القرن الحادي والعشرين أن الدمج الذي كان موجودًا بالسابق بين الليبرالية السياسية والرأسمالية الاقتصادية يصل إلى نهايته، والبديل الذي يقوى هو تقليص الديمقراطية وبروز وتزايد القومجية والعنصرية، وبالمقابل تزايد منح الامتيازات والمكافآت لأصحاب رؤوس الأموال واتساع الهوّة بين النخبة المقلَّصة وبين الغالبية العاملة، والسحق الحثيث للخدمات الجماهيرية العامة.

هذا الوضع صحيح أيضًا في إسرائيل، ويصل الدمج في حالتنا إلى نهايته بين الاحتلال المتواصل والاقتصاد الرأسمالي وبين المحافظة على متسع ديمقراطي نسبيًا ضمن حدود الخط الأخضر. والنتائج واضحة وواضحة للعيان: تفاقم العنصرية، ملاحقة وسائل الإعلام، وشيطنة كل مَن يجرؤ على إسماع صوت آخر. وفي الوقت نفسه - إزالة كل عائق من أمام سيطرة قلّة من أصحاب رؤوس الأموال على الثروات الطبيعية مثل الغاز، وعلى الاقتصاد بمجمله.

ما دام هكذا هو الوضع يُطرَح السؤال: هل بالإمكان التفكير عمومًا بإجراء تغيير في الاتجاه المعاكس؟ ادعاؤنا المركزي يزعم أن تفكير كهذا هو ليس ممكنًا فحسب، وإنما هو إلزاميّ أيضًا. الانزلاق نحو البربرية هو ليس بالخيار العمليّ الوحيد.

التغيير في الاتجاه المعاكس ممكن. ذلك لأن ترامب لم ينجح بالانتخابات قضاءً وقدرًا، ولا بسبب الأٌقلية العنصرية، وإنما بفضل الغالبية الغاضبة. كانت هناك أسباب حقيقية لهذا الغضب، ونجح الرد الكاذب لترامب على هذا الغضب نتيجة فشل الرد المعاكس - كالذي عرضه المرشح الاشتراكي برني ساندرز - بالوصول إلى موقع متقدم في المواجهة السياسية. ومع انعدام بديل حقيقي للتغيير أمام الجمهور من قِبَل اليسار - من خلال عرض إجابات وحلول لمجمل مشاكل المواطنين - كان بمقدور اليمين عندها طرح نفسه كبديل وحيد لفشل المؤسسة – وتحقيق النصر. لذلك، فإن طرح بديل عكسيٍ لهذا هو أمر ضروري لردع ووقف تقدم اليمين الراديكالي.

ندّعي في كتابنا هذا أن الأزمة السياسية–الاجتماعية تُنبت وتنمّي ليس الأخطار فقط - وإنما الإمكانيات والفرص أيضًا. لكن عندما لا يتم استعمال وتوظيف الإمكانيات تتعاظم الأخطار، وعدم الرضى عن الأوضاع القائمة لا يترك مكانًا للفراغ. عندما ينعدم البديل الحقيقي من جهة اليسار، يبقى التوجّه نحو اليمين هو الإمكانية الوحيدة المتاحة للتعبير عن المعارضة والغضب والتغيير الجدي المؤثر. بناءً عليه، فإن بناء بديل حقيقي هو الشرط لوقف صعود اليمين الراديكالي.

البديل الذي يجب طرحه في مواجهة اليمين الراديكالي لا يمكن أن يكون إذًا موقف معارضة يكتفي بالدفاع، الخندقة والإبقاء على النظام الاجتماعي القائم. هذا النظام الاجتماعي القائم في القرن الحادي والعشرين موجود وحافظ على ذاته منذ أواسط القرن العشرين لعشرات الأعوام، وهو لم يعد قادرًا على تقديم أجوبة كافية ومقنعة لأعداد متزايدة من الناس. لذا، فإن الخندقة وراء النظام الموجود مصيرها الفشل. يتوجب طرح بديل للنظام القائم في مواجهة اليمين الراديكالي.

سندّعي في كتابنا أن هذا البديل لا يجوز أن يكون رجوعًا بسيطًا إلى نماذج جرى طرحها في الماضي – لا الإشتراكية الديمقراطية الأوروبية ولا الشيوعية حسب الصيغة السوفييتية. وحسب رأينا، هناك حاجة لبديل آخر وطريق آخر حتى نصل إلى مكان آخر، إلى نظام اجتماعي عادل وسليم أكثر.

هذا الكتاب هو بمثابة محاولة لطرح وبلورة بديل كهذا. وهو كتاب لم يُكتَب من خلال إنكار فداحة الموجود الآن، وإنما من خلال القناعة العميقة بأنه الآن تحديدًا، خصوصًا الآن، بالإمكان إجراء التغيير بطريقة أخرى. لذا نفتتح الكتاب بدروس من صعود اليمين الراديكالي في إسرائيل وفي العالم، ونتحدث عن العلاقة بين هذا وبين ضعف اليسار.

نطرح بعد هذا البديل للمنظومة الاجتماعية–الاقتصادية القائمة، ونشير إلى الأفق الذي نقترح السعي والوصول إليه. كما وسنحاول ترجمة اتجاه السعيْ والاجتهادات إلى لغة العمل من خلال الإشارة لأهداف محددة للكفاح.

سندّعي أن بلورة حراك من أجل التغيير هي الشرط للتطبيق والتنفيذ على الواقع الموجود. بالأضافة، سنعالج في نهاية الكتاب هذا التحدّي: تحدّي بناء تواصل بين الناس وبين المجتمع المدني والقوى السياسية، واقتراح إقامة تضامنات في مواجهة الأنانية الهدّامة التي تمتاز بها النيو–ليبرالية، ودفع العمل المشترك بين الفئات المختلفة من المتضررين جراء الوضع القائم، الذي بغالبيتنا متضرّرون منه. ولإحداث التغيير يجب بناء حراك جماهيري لا فئة مغلقة.

المسألة الإسرائيلية

هذا كتاب عن إسرائيل، ولكن قسمًا مما كُتِب هنا هو ذو صلة لأماكن أخرى في العالم. الواقع السياسي–الاجتماعي الذي نعيش فيه مُحبط ولا يخصنا نحن فقط، وإنما هو جزء من نصيب مجتمعات عديدة بما فيها تلك الأكثر تطورًا وثراءً.

إسرائيل، على عكس الانطباع الرائج، هي دولة قويّة من ناحية إقتصادية وتُعتبر ضمن مجموعة الدول الغنية القليل عددها نسبيًا. يكفي أن نلقي نظرة سريعة على بعض المعطيات للتأكد من هذا. حسب معطيات البنك الدولي كان المنتوج المحلي الخام للفرد في عام  2017 في إسرائيل 38261 دولار، هذا يدرجها، حسب مقياس قيمة المشتريات (مقياس PPP)، ضمن الدول الأعلى ذات الدخل المتوسط. مقاييس إقتصادية أخرى، مثل النسبة بين الديون والمنتوج أو ميزان المدفوعات، تدرج هي كذلك إسرائيل في مكان جيد بين دول OECD، المنظمة للتعاون المشترك وللتطوير الاقتصادي التي تجمع تحت سقفها غالبية الدول المتطورة في العالم. بناءً عليه، فإن مفهوم التغيير الذي نقترحه على المجتمع الإسرائيلي يناسب المجتمعات المتطورة الأخرى.

ورغم هذا، بالتأكيد توجد جوانب وأمور تخصنا نحن فقط. بهذا المعنى كل عائلة مسكينة، حسب المقولة المشهورة لتولستوي، مسكينة بطريقتها الخاصة. فكيف من الممكن رؤية إسرائيل أخرى؟ هل من الممكن هنا وجود مجتمع مساواة وعدل يحيا بسلام مع ذاته ومع جيرانه؟ نحن على قناعة بأن الغالبية الكبرى هنا تريد العيش في مكان كهذا. لماذا لم نصل إلى هناك؟ لم نصل لأن الغالبية لا تؤمن بأنه بالإمكان الوصول إلى هناك. وتوجد أيضًا أقلية معنيّة لأسباب تعود لها بالمحافظة على الوضع القائم بكل أمراضه.

تُنتج الطريقة الإقتصادية في إسرائيل، كما في العالم، العديد من خيبات الأمل. لكن هذه الإحباطات لا تتجمع وتتبلور في عمل شامل، ومظاهر المقاومة محلية وغير مترابطة ومتواصلة معًا. هي تجري في جزر صغيرة ومعزولة، ولأنها كذلك هي بعيدة عن تشكيل تحديّات للنظام القائم. وعندنا التعبير الأساسي عن الإحباط وخيبة الأمل هو بالذات الامتناع عن العمل السياسي.

توجد أسباب عديدة للامتناع عن العمل السياسي. العديد من الناس يصارعون من أجل البقاء في سباق الحياة الذي أصبح أسرع وذات متطلبات أكثر. يتركّز الناس في أعمالهم وحياتهم الشخصية ولا يوجد لديهم لا الوقت ولا الطاقة للمشاركة في العمل الجماهيري. وهم يفقدون الثقة بإمكانية تغيير المجتمع.

يظهر اليأس في مجتمعنا بعدة ألوان وأشكال: مثلًا الهجرة إلى خارج البلاد، ومن خلال تبنّي موقف ذاتوي بأنه يجب "ترك كل إنسان لحالته"  ليختار هو المسار الذي يريده. هذا رغم أنه من الواضح أن الوسائل لا تتوفّر لدى الجميع – (النقود، المهنة، جواز السفر الأجنبي) – لإختيار الهجرة.

يوجد رد فعل يائس آخر هو الهجرة الداخلية: التنازل عن المشاركة الجماهيرية، والتركيز على الكرييره أو العائلة. ويحدث هذا أحيانًا من خلال تبنّي توجّه يكتفي "بإصلاح الذات" بدلًا من العمل على إصلاح المجتمع. وكأنه بالإمكان حقًا التفرقة بين الأمريْن.

وأخيرًا، يجري التعبير عن اليأس أيضًا من خلال توجهات أحداث يوم القيامة وعودة المسيح بعد خراب الهيكل، وبالدعوة إلى الهروب الجماعي أو بالتتالي والتناوب إلى التعامل بسخرية إزاء كل مؤسسة وكل عمل جماهيري مهما كان.

من الصحيح القول أن الألفاظ المختلفة عن اليأس تُعبّر عن الإحباط من النظام القائم، ولكن ليس بإمكانها تغييره. وفي الحقيقة من البديهي أن تقوّي حتى النظام النيوليبرالي. وكما أن النظام النيوليبرالي مبنيّ على عدم تسييس الإقتصاد، كذلك لا تسيّس أجوبة اليأس المقاومة. وكمثل اعتماد النظام النيوليبرالي على تفسيخ الأطر الجماعية والتضامن وتبديلها بالذاتوية الفردوية والمنافسة، كذلك هي أجوبة اليأس القائمة على التصرّفات الفردية وليس على العمل الجماعي.

نحن نقترح بديلًا سياسيًا لليأس وطريقًا ممكنًا لتحدّي النظام النيوليبرالي وللكفاح من أجل مجتمع مساواة وعدالة. لا يجري الحديث عن مهمة سهلة. واليأس هو دومًا المتكأ الذي يتكئ عليه الوضع القائم، والحليف الأمين للسوء الذي يُصبح سياسة. ثانيًا، وهذا أكثر أهمية، من الممنوع أن ننسى أن انتخابات 2019 لم تكن حقًا صراعًا بين طريقيْن نقيضيْن. هذه إنتخابات جرت حول شخصية نتنياهو: انتخابات مواجهة بين مَن رأى فيه قائدًا مناسبًا وبين مَن رأى فيه فاسدًا ومستعدًا لتخريب كل مجال جيّد لصالح بقائه الشخصي. صوّت الأوائل لليكود ولأحزاب اليمين التي ترافقه. واقترعَ الآخرون لحزب كحول لفان/ أزرق أبيض ومَن هو على يسارها. ولكن لم تعرض كحول لفان حُلمًا بديلًا لليمين. ويئير لبيد في بيانه العلني عبّر عن "كل الأمور التي ميّزت في الماضي اليمين الإسرائيلي".

ما العمل الآن؟ هذا هو الوقت للتفكير وللعمل. علّمت الإنتخابات الأربع الأخيرة أن "اليمين المسؤول" ليس بإمكانه أن يكون بديلًا. ولكن أظهرت أيضًا أن الليبرالية التي يتم تشخيصها في إسرائيل مع اليسار ليس بإمكانها هي الأخرى أن تكون بديلًا فعليّاً وحقيقيّاً.

لذا المطلوب بناءً عليه هو سياسة مختلفة، لن يكون من السهل بنائها. ولن يكون من السهل تغيير أسس طرق العمل التي اعتدنا عليها. هذه عملية طويلة لا يوجد فيها اختصار للطريق والذي يجب عمله الآن هو العمل ودعم هذا المسار. نحن متفائلون والنجاح ليس مضمونًا ومؤكدًا. ولكننا مقتنعون بوجود قاعدة حقيقية للأمل بأمكانية بناء مجتمع آخر هنا. وسنبين في المواد التالية في الكتاب أن تاريخ إسرائيل يؤشّر إلى أن التغيير ممكن. وسنبيّن لحظات شعر فيها الناس أن التغيير ممكن وتجنّدوا حقًا للعمل وحققوا تغييرات. وسنقص قصص نضالات ناجحة ضد النظام القائم، نضالات سياسية واجتماعية وحتى اقتصادية. والأمر المشترك لكل هذه النضالات هو رفض الخنوع لليأس وقبول فكرة وقانون الاستعداد للخروج عن المسلّمات المقبولة.

صحيح أنه في حالات ليست قليلة كانت المكاسب التي أثمرتها تلك الكفاحات محددة وعينيّة، وعمومًا لم تكن استمرارية لها. ولذا هذا هو بالضبط الآن السبب الإلزامي للقيام بالتحليل والتعميم والتفكير الاستراتيجي وتحرير الخيال الاجتماعي والسياسي. هذا كل ما نريد المساهمة فيه.

أجزاء من الفصل السابع

صنع التغيير في زمن وجود الصراع القومي

لنذكر معًا:

في مساء يوم الذكرى، أحد المواعيد الحساسة في التقويم السنوي الإسرائيلي، بدأ وتطوّر في العقد الأخير تقليد جديد بدأ في قاعة صغيرة في مسرح فرينج في منطقة مشاغل تل أبيب وتحوّل إلى عادة تجمع آلاف عديدة معًا. لم يتم العثور في اللقاء الأخير، في زمن الكتابة عن هذا في عام 2019 على قاعة كبيرة تتسع للآلاف العديدة التي تشارك فيه. لذا جرى عقده في حديقة اليركون تحت قبة السماء. هذا هو حَدثْ الذكرى الإسرائيلي–الفلسطيني المشترك.

يثير هذا الحَدثْ مشاعرنا في كل سنة من جديد. تجلس على المنصّة عائلات إسرائيلية وفلسطينية ثكلى وتتقاسم ألم الفراق. ولكن في هذا الحدث الخاص لا تتم ترجمة الألم إلى كراهية وإنما إلى جرأة وإقدام على العمل لتغيير الوضع ولاختراق حلقة الدم والوصول إلى سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

حدث الذكرى هذا عمل مشترك لمنظمتيْن إسرائيلية وفلسطينية هما "محاربون من أجل السلام" و "منتدى العائلات الثكلى". تمت إقامة الأول، كما يشهد اسمه، على أيدي محاربين إسرائيليين وفلسطينيين وصلوا إلى الاستنتاج بأنه لا يمكن الوصول إلى الحل عن طريق القوّة، وفقط السلام بين الشعوب يضمن الأمن للطرفيْن. ويشمل الثاني عائلات ثكلى من الشعبيْن توصّلت هي كذلك للاستنتاج نفسه.

يكبر عدد المشاركين في الحدث كل سنة رغم أنه لا يحظى بدعاية ونشر مموّل. يظهر أن دائرة الناس المعنيين بهذه الرسالة كبيرة – (رسالة إنسانية لكنها لا تحظى بالرضى في المجتمع الإسرائيلي). والدليل على هذا أنه تم في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى الحدث المركزي في تل أبيب، عقد أحداث مماثلة في مدن إضافية.

لم تنجح محاولات اليمين، بدءًا بوزراء الحكومة وانتهاءً بنشطاء محليين في مختلف الأمكنة، بالمسّ بالحدث. وعندما منع وزير الأمن أفيغدور ليبرمان في عام 2017 دخول فلسطينيين من المناطق للمشاركة باللقاء - تمّ عقده في بيت جالا بالضفة الغربية. وبعد سنة ألغت محكمة العدل العليا أمر المنع الذي أصدره ليبرمان، وتمّ السماح، في اللحظة الأخيرة، بمشاركة الفلسطينيين في الحدث الذي أقيم بتل أبيب. كذلك لم ينجح أشخاص من مجموعة يمين متطرف تظاهرت عند مدخل مكان عقد اللقاء في ردع آلاف المشاركين من الوصول.

يعلّمنا هذا الحدث أمرًا ما. هو يبيّن أنه عندما يتم تمرير رسالة السلام بصورة صحيحة، أيْ عندما ترتبط الرسالة بالمشاعر العميقة الموجودة لدى الجمهور ولا تصطدم بها وجهًا لوجه، فهي تحظى بإصغاء الناس وانتباههم. ولكن للأسف الشديد هذا لا يُميّز طريقة عمل غالبية معسكر السلام يوميًا. وبدلًا من الالتصاق بالمشاعر الإنسانية والتواصل معها، تطغى في حالات عديدة مواقف عقلانية مغتربة.

من المهم القوْل أن مراسم يوم الذكرى هي ليست المثال الوحيد للعمل الناجح فيما يتعلق بالصراع. حركة "نساء يصنعن السلام" اليهودية–العربية وضعت هدفًا لها هو إعادة موضوع السلام إلى مركز المنصة السياسية، وهي تنشط في هذا المجال. وإصرارها وعنادها على الحديث من منطلق المشاعر قرعَ واخترق حواجز صعبة، وأتاح لها الوصول إلى فئات جماهيرية متنوعة في المجتمع. إن أعمالها الجماهيرية، خاصة مسيرات الأمل التي بادرت إليها، تجذب آلاف النساء الإسرائيليات والفلسطينيات.

تعلّمنا هذه الأمثلة الإيجابية أنه بالإمكان، في المجتمع الإسرائيلي، تجنيد الآلاف حول رسالة السلام. ولكن كيف يمكن تعميق نشر هذه الرسالة؟ وكيف يمكن دفعه قُدمًا بالموازاة مع النضال الاجتماعي والربط بين الاثنين؟ علمًا أنه في ظل وجود صراع قومي يكبر حجم التحدّي الذي يقف أمام حركات التغيير.

لماذا لا يمكن الهرب من مسألة القومية؟

بما أننا نريد إجراء تغيير سياسي في مجتمع موجود في صراع قوميّ كبير ودامٍ، لا نقصد ولا نريد أيضًا تجاهل المسألة القومية، ويجب على عمليات التغيير أن تتطرق إليها.

يوجد للمسألة القومية في إسرائيل جانبان مترابطان فيما بينهما. الجانب الأول الخارجي هو الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني والإسرائيلي–العربي. والجانب الثاني الداخلي يخص العلاقات بين المواطنين اليهود والمواطنين العرب داخل دولة إسرائيل نفسها. ويجب القول منذ بداية البحث أن واقع الحرب المستمرة بين إسرائيل ومحيطها وداخل إسرائيل نفسها هو هدف مركزيّ للتغيير.

أولًا هذا الواقع يكلّف دمويًا قتلى وجرحى، ويحمل في ثناياه احتمالًا دائمًا بالانحدار نحو خراب أكبر مصحوب بثمن إنساني هائل. وها هو الاحتلال المستمر يجبي منذ زمن ثمنًا باهظًا من السكان الفلسطينيين في المناطق المحتلة، وثمنًا كبيرًا من المجتمع الإسرائيلي المحتل المسيطر يتمثل بتكاليف اقتصادية كبيرة، بالإضافة لإسقاطات ذلك أخلاقيًا، اجتماعيًا وعالميًا. لذا ليس بالإمكان التنازل عن مسألة الحرب والسلام، لا على المستوى القيَمي ولا على المستوى الإستراتيجي.

مسألة الحرب والسلام هي مسألة وجودية بالنسبة لإسرائيل. ومن الواضح كليًا من ناحية حساب الاحتمالات الزمنية أنه إن لم تجد إسرائيل طريقًا للإندماج في المحيط العربي والإسلامي الكبير الموجودة فيه فهي ستواصل العيش على حد السيف مع كل الإسقاطات الناجمة عن ذلك على المدى البعيد: جولات ودورات عنف، ثمن يتمثل بفقدان حياة الناس، وإنفاق مصاريف على احتياجات أمنية كان الأجدر تخصيصها للاحتياجات الاجتماعية، وحتى أيضًا خطر وجودي فعلي. في تقرير "الاحتلال: من يدفع الثمن" من إصدار مركز أدفا، يُبيّن شلومو سبيرسكي ونوغا دغان–بوزغلو أن المواجهة العسكرية مع الانتفاضة الثانية فقط قادت إلى خسارة 18 مليار شاقل بسبب انخفاض المنتوج.

وتوجد علاقة قويّة بين اتساع المصروفات على الاحتلال وتقليص المصروفات الاجتماعية، في إسرائيل التي هي أصلًا الأكثر انخفاضًا بين دول OECD. وبالإضافة إلى هذا وصلت المصروفات التي تسببها "عمليات متزايدة لجيش الدفاع الإسرائيلي في المناطق المحتلة" في السنوات الثلاث الأخيرة إلى مبلغ 55 مليار شاقل. هذا مبلغ كان بالإمكان استثماره في المواصلات والصحة والرفاه أو التعليم. ينعكس واقع الحرب الدائمة، خاصة احتلال المناطق منذ عام 1967، ويؤثر على المجتمع الإسرائيلي في مجالات عديدة.

وهناك أيضًا جانبًا هامًا آخر: إن استمرار الصراع القومي هو  أحد أكثر المنظومات محافَظةً وقوّةً في البلاد. وبحجة حصانة التهديد الأمني يتم إبعاد المسائل الاجتماعية والبيئية إلى الهوامش بشكل ممنهج ومخطط، ويتم طرحها وكأنها تخص "جودة الحياة" في واقع أن الحفاظ على الحياة في ظل وجود التهديدات الأمنية هو الأهم. بناءً عليه، فإن مواجهة مسألة التهديد الأمني هي قضية إلزامية لكل مَن يعنيه دعم ودفع مشروع التغيير الاجتماعي في إسرائيل.

التوجه القيَمي هو فقط البداية للعمل السياسي

نتطرّق إلى هذا الموضوع من توجه قيَمي واضح: يوجد شعبان في هذه البلاد، ولكل منهما يجب ضمان حق تقرير المصير والاستقلال القومي. وأيضًا كل حل يجب أن يقوم على أساس المساواة الشخصية والجماعية، ولا يجوز استعمال حق تقرير المصير والاستقلال كمبرر لسياسة التمييز القومي أو المس بحقوق الأقليات.

التحدي الكبير هو البناء على أساس هذا الموقف القيَمي من خلال سياسة تراعي وتخدم مصالح الناس ولا تكتفي بالتوجّه إلى ضمائرهم، وذلك حتى تجنّد لها تأييدًا مؤثّرًا داخل المجتمع الإسرائيلي.

ومن المهم أن نذّكر أنفسنا بالسبب لأفعالنا وما هو الهدف من عملنا السياسي. وإذا ما كان هدفنا الإشارة إلى الجرائم والصراخ ضد الظلم وانتهاك الحقوق، عندها ما من سبب للقيام بعمل يختلف عمّا قمنا به بالسابق. عرف ويعرف اليسار الإسرائيلي بتنظيماته المختلفة الإشارة والتنبيه إلى غياب العدالة وإلى الظلم المرتبط بالاحتلال، وإقصاء الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، والعنصرية تجاه الشرقيين والقادمين من إثيوبيا والاتحاد السوفييتي. ولكن إذا كنا لا نريد الاكتفاء بتوجيه النقد وكشف القضايا وإنما تغيير الواقع، من واجبنا عندها أن نفحص بعمق أيّ قوى بإمكاننا تجنيدها لتحقيق ما نحتاجه. هذا يعني معرفة أيّ قوى في مجتمعنا لديها مصلحة بالتغيير الذي نقترحه.

ليس بالإمكان إجراء التغيير من خلال التنكر للمجتمع الذي نحيا فيه. ومن غير الممكن بناء مجتمع يسوده العدل والمساواة من دون الشعب. الاهتمام الحقيقي بالناس الذين يعيشون هنا هو نقطة انطلاقنا، ويجب أن يكون هذا واضحًا ومحسوسًا وليس نظريًا فقط.

من الضروري بناء حوار حقيقي مع الشرائح المختلفة التي تركّب المجتمع الإسرائيلي وبذل الجهود للاستماع للأصوات المختلفة وتعلّم الربط بين المصالح التي تمثّلها كل واحدة من تلك الفئات. فقط هكذا يكون باستطاعتنا التعبير الصادق عن إرادة غالبيتنا بالعيش بأمان، وفي مجتمع يكون بالإمكان النموّ والازدهار فيه.

بأي معنى يجب أن تكون سياسة التغيير قائمة على أساس المصالح؟ للإجابة على هذا السؤال من الممكن تحديد وتعريف السياسة كنوع آخر من السياسة هو "سياسة الضمير". سياسة الضمير هذه تطالب بكشف ظلم السلطة وانتهاكها للحقوق، ونقد أشكال مساس السلطة بفئات مجتمعية مختلفة وكشف السيئات وغياب الأخلاقيات في سياسة السلطة، وهي سياسة يستحق التزامها الأخلاقي والقيَمي الإعجاب والتضامن، ولكنها عمليًا خاطبت أقلية صغيرة جدًا.

يجب أن تسعى سياسة التغيير بالمقابل للحديث مع الغالبية. هذه سياسة تعمل على بناء التضامن والشراكة من خلال المصالح المشتركة. أما سياسة الضمير فهي بالمقابل سياسة أحادية الجانب بجوهرها. والسياسة التي تعتمد التغيير قاعدة لها يجب عليها أن تحاول بشكل محسوس إظهار كيفية التقدم نحو السلام وخدمة مصالح غالبية الناس الذين يعيشون هنا، وليس فقط خدمة مصالح نخبة رجال الأعمال الذين سيُصبح بإمكانهم عندها عقد الصفقات في كل الشرق الأوسط. كما وأنه عليها أن تحاول أيضًا تبيان أن سياسة كهذه بإمكانها أن تقلّل خطر قتل وإصابة الناس في إطار وجود الصراع القومي، وكذلك أن بإمكانها تقليص المصروفات العسكرية وزيادة الاستثمارات في التربية والتعليم، الرفاه، الصحة والإسكان.

أظهرَ الخبير الاقتصاديّ يوسي زعيرا في كتابه المثير "اقتصاد إسرائيل" كيف كان قد وفرّ التغيير القفز الجدي وذات التأثير الأكبر على الاقتصاد الإسرائيلي بعد التوقيع على اتفاق السلام مع مصر. حدث ذلك لعدة أسباب كان من بينها التقليص الدرامي في المصروفات العسكرية بعد الاتفاق. هذا فقط مثال عن إمكانية تأثير واحدة في حالة التقدم نحو السلام يُضاف له تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول المنطقة حولها. وستتبعه- تأثيرات هامة على قدرة الناس على التنقل والالتقاء والتمتع بثقافة شعوب المنطقة، وغير ذلك أيضًا.

دائرة النزاع المغلقة

جرّبت حكومات إسرائيل طرقًا مختلفة في مواجهة المشكلة الفلسطينية. وتطوّر في إسرائيل بعد عام 1967 الوهم بإمكانية إدارة "احتلال متنوّر" يتيح إمكانية التطبيع لسيطرة إسرائيل على المناطق المحتلة وعلى الفلسطينيين الذين يعشيون فيها. تفجّر هذا الوهم كليًا في أيام الانتفاضة الأولى في نهاية عام 1980. أثبتَ اندلاع الانتفاضة أن الفلسطينيين لن يقبلوا باستمرار وبقاء الاحتلال.

كان بالمقابل من الممكن أن يؤدي اتفاق أوسلو في سنة 1990 إلى ديناميكية إيجابية. ولكن عندما جرى إهمال هدف الحل النهائي، وتحديد الاتفاقات الجزئية كاتفاق نهائي، تحوّلت الاتفاقات إلى مشكلة بدلًا من أن تكون جزءًا من الحل.

كذلك لم يحل الجدار، الذي تمّ بناؤه فيما بعد حول مناطق محتلة كبيرة، مشكلة الأمن. ذلك لأنه قد ثبت من جديد أنه بقدر ما يجري رفع الجدار كذلك بالإمكان رفع السلّم الذي بالإمكان التسلّق عليه، أو كبديل، تعميق الأنفاق التي بالإمكان حفرها تحته.

لقد أثبت نموذج فك الارتباط الأحادي الجانب مع غزة، في عام 2005، أنه عندما تتوفّر الإرادة السياسية يكون بالإمكان إزالة المستوطنات. لكنه أثبت أيضًا أن العمليات أحادية الجانب لا تقود نحو التغيير الحقيقي ولا توفّر العدالة والأمن في هذه البلاد، لا للإسرائيليين ولا للفلسطينيين.

كانت الخيارات التي اعتمدتها حكومات إسرائيل حلولًا ترتكز على القوة والقمع المكثف للفلسطينيين، دورات الحروب المتكررة والمتتالية والحملات العسكرية. ولكن هذه المحاولات أيضًا لم تقضِ على المقاومة ولم تقلّص مقاييس المعاناة والموت، بل أن ما حدث كان العكس تمامًا.

ورغم كل هذا تواصل السلطة في إسرائيل رفض فكرة الاتفاق السياسي الإسرائيلي–العربي. وفسّر نتنياهو في تشرين أول 2015 أننا "سنحيا أبدًا على حد السيف". وحسب مواقفه لا يمكن إنهاء الاحتلال، وما من حاجة لهذا أيضًا. لذا ما بقي القيام به هو "إدارة الصراع"، حتى نستطيع ضمان حياة "طبيعية" في إسرائيل بالموازاة مع استمرار بقائها دولة محتلة.

لكن هذا الموقف لا ينجح في ضمان الأمان الشخصي. والناس في إسرائيل يتخوفون من انفجار العنف ومن عمليات الدهس والطعن، كما وتدفع بلدات النقب الغربي ثمن غياب الأمن. بالمقابل، أصبح وضع الفلسطينيين أكثر صعوبةً وإحباطًا. لذا فالنتيجة الحتمية لمواصلة الاحتلال هي تصعيد القمع والتسلط على الشعب الفلسطيني من جهة، وغياب الأمن الحقيقي للإسرائيليين من الجهة الأخرى.

وفي الوضع القائم في الشرق الأوسط الآن، وعلى ضوء زيادة قوّة اليمين في العالم، الأمل بأن يؤدي الضغط الخارجي إلى حل الصراع هو عبثيّ. أظهرت تجربة الماضي أن التقدم نحو السلام – مثلًا الاتفاق مع مصر ومعاهدة أوسلو - نبعَ من عمليات سياسية على الصعيد الإسرائيلي–العربي وليس من الضغط الخارجي. ويبيّن الوضع الحالي أن اليمين الإسرائيلي وشركاءه في المركز يعرضون حركة المقاطعة (BDS) كتهديد إستراتيجي على دولة إسرائيل رغم أن مسّها بإسرائيل حتى الآن ما زال هامشيًا.

تتوفر حقًا لدى المجتمع الدولي آليات للضغط على إسرائيل لإنهاء الإحتلال. مثلًا إلغاء الولايات المتحدة الدعم العسكري لإسرائيل، وإلغاء المكانة المفضلة لإسرائيل من قِبَل الاتحاد الأوروبي ومشاركة فرق إسرائيلية في مباريات البطولة الرياضية الأوروبية – (مع العِلم أن إسرائيل دولة آسيوية وليست أوروبية). كل هذه الخطوات كان بإمكانها التأثير على الجمهور الإسرائيلي لتغيير مواقفه. ولكن ما  هي الاحتمالات لاتخاذ هذه الخطوات عمليًا في الوضع السياسي الراهن في الولايات المتحدة وفي أوروبا بينما تزداد قوّة وانتشار اليمين الهجومي والإسلاموفوبيا؟

الانتظار بشوق لقوة تأتي من الخارج وتفرض النظام، أي مجيء مسار عالمي ما يفرض السلام على الإسرائيليين والفلسطينيين، هو أمر ناتج إلى حد بعيد عن التعب من النضال لتغيير المواقف في المجتمع الإسرائيلي. لكن في الواقع ما من طرق مختصرة، ولن يحدث التغيير بدون مشاركة فعّالة من قِبَل لإسرائيليين والفلسطينيين. وفي ظل موازين القوى القائمة، بالتأكيد لا يكفي كفاح الفلسطينيين لوحدهم لصنع التغيير. وحتى يحصل هذا التغيير يتوجب السعي من أجل تحقيقه داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه.

كيف يتم اختراق الدائرة؟

حتى في أيامنا، وفي الوضع القائم الذي لا يرى فيه معظم الإسرائيليين أي أفق عملي لعملية السلام وتدّعي فيه النخبة السلطوية "عدم وجود شريك فلسطيني"، لا تزال توجد غالبية من الجمهور الإسرائيلي تؤيد حل الدولتيْن. ولكن رغم أن الجمهور يريد أن يرى تغييرًا في حالة الصراع، لم تتم بعد ترجمة هذه الإرادة إلى سياسة تدفع باتجاه هذا التغيير على أرض الواقع.

يجب استخلاص استنتاجيْن بناءً على هذه المعطيات. الأول: غالبية الجمهور غير راضية من وضع الصراع. الثاني: لم تتم بعد ترجمة عدم الرضى هذا إلى سياسة تغيير حقيقي، لأن غالبية الجمهور التي تؤيد التسوية تصوّت بأرقام كبيرة لصالح أحزاب اليمين التي ترفضها.

ويُسأل السؤال: ما دامت غالبية الناس في إسرائيل غير راضية عن الوضع القائم، إذًا لماذا لم يحدث التغيير؟ وكيف بالإمكان تفسير أن الجمهور الإسرائيلي نفسه الذي لا تزال غالبيته تؤيد حل الدولتيْن، فلسطين بجانب إسرائيل، ينتخب بغالبيته أحزاب تسير في الاتجاه المعاكس تمامًا؟

الحل لهذه المفارقة مركّب. ينبع التأييد لليمين من أسباب عديدة - اجتماعية، هوياتية وأيديولوجية. ولكن يوجد عامل هام آخر، وهو أنه رغم وجود غالبية كبيرة من الإسرائيليين تؤيد حل الدولتيْن، هناك كثيرون في وسط هذه الغالبية مقتنعون بأن هذه الفكرة غير قابلة للتحقيق في الواقع الحاضر. هم اقتنعوا بأن الفلسطينيين لن يوافقوا على هذا الحل لأسبابٍ من بينها فشل محادثات كامب ديفيد عام 2000.

عاد يومها قائد حزب العمل إيهود براك من كامب ديفيد وفي فمه ادّعاء يقول: "اقترحنا عليهم كل شيء، وهُم رفضوا. لا يوجد شريك". الاستنتاج الذي استنتجه الجمهور من كلام براك هو أن اليمين صادق. قال الناس لأنفسهم: ما دام حتى حزب العمل يقول إن اليمين صادق، ما من معنى إذًا للتصويت لليسار، ذلك إذ لا يوجد شريك فلسطيني. وبناءً عليه فُرِضَ علينا صراع أبدي، ولكون الصراع حُكمًا أبديًا، فاليمين يعرف كيف يديره بشكلٍ أفضل.

نقول نحن: ما دام الناس لم يقتنعوا بوجود بديل حقيقي لاستمرارية الصراع في ظل هذا الواقع، لن نحرز أي تقدم ولن يحدث التغيير. ذلك لأن التغيير الاجتماعي والسياسي بالإمكان تحقيقه فقط عندما يقتنع الناس بوجود بديل ممكن للوضع القائم، وعندها يتجندون للعمل على تحقيقه.

توجد في إسرائيل اليوم أقلية تواصل الإيمان بسلام يقوم على أساس اتفاق بين الشعبيْن. عندما يتنازل معسكر سياسي عن طرح بديل، فهو يتنازل عمليًا عن النضال من أجل التغيير الكبير المطلوب وعن الأمل، وفي حالتنا عن أمل الإسرائيليين والفلسطينيين كذلك. ومن الواضح والمفهوم أنه ليس من المفترض أن تسير الأمور على هذا النحو. وكما كنّا قد بينّا سابقًا، توجد أمثلة أخرى معاكسة.

طقوس إحياء الذكرى التي تطرّقنا إليها أعلاه هي مثال بارز. إضافةً لها، فعلى الرغم من ضعف "مبادرة جنيف"، المخطط الهيكلي الإسرائيلي-الفلسطيني لحل النزاع الذي جرى طرحه في عام 2003، فهي قد بيّنت للجمهور الإسرائيلي والفلسطيني أن الحل ممكن، وأنه يوجد لدى الطرفيْن شركاء لصنع سلام عادل ومتفق عليه.

"مسيرات الحرية" الشهرية بمبادرة حركتيْ "محاربون من اجل السلام" و "نقف معًا" التي جرت على مدار أكثر من سنة ابتداءً من نهاية عام 2015 بجانب حاجز الأنفاق القريب من القدس مثّلت هي أيضًا الشراكة الإسرائيلية–الفلسطينية. جرت المسيرات بشكل جعل الجميع يشعر بأمان بالسير معًا دون تخوّف من مواجهات مع قوى الأمن ومِن الغاز المسيل للدموع ومن الرصاص المطاطي. وبهذا المعنى لاءمت هذه المظاهرات كل مواطن ومواطنة وليس فقط الناشطين المتمرسين. كل هذه عبارة عن نماذج من الضروري التعلّم منها حتى نتمكن من توسيع نطاق النشاط الجماهيري.

من غير الممكن فصل الانشغال بأسئلة الحرب والسلام عن الجراح المختلفة والمتنوعة: الاقتصادية، الاجتماعية والهويّاتية الموجودة في المجتمع الإسرائيلي. والمفارقة في المجتمع الإسرائيلي هي أنه بدلًا من أن تكون الجروح الاجتماعية عاملًا ونقطة انطلاق للتغيير السياسي يتم توظيفها كعامل مساعد لترسيخ النظام القائم. والسياسة الليبرالية التي تمتاز بها غالبية مَن يتم اعتبارهم "يسار" في إسرائيل هي جزء أساسي من المشكلة، لأن هذه السياسة الليبرالية تساعد اليمين على تجنيد وانتهاز الجروح الاجتماعية لصالحه، وبشكلٍ منهجي.

أولًا، لأن مجموعات كبيرة من السكان تشعر أن "معسكر السلام" لا يكترث لأمرها ولا يهتم بمصالحها وضائقاتها وتخوّفاتها وأمنياتها. ثانيًا، لأن اليسار الليبرالي لا يتعامل بجدية واحترام مع خيارات مجموعات عديدة، خصوصًا الانتخابية منها، وخصوصًا تلك المستضعَفة. هو يتعامل مع انتخابهم "كانتخابات قبلية" ويعتقد أنهم "لا يدركون ما هو الجيّد لهم". هو لا يرى شكل اقتراعهم في الانتخابات كثمرة لموقف، بل دليلًا على "التخلّف". يتجاهل اليسار الليبرالي بهذا المصالح والتخوّفات والضائقات والذاكرة الجماعية التي تؤدي إلى دعم مجموعات واسعة للسلطة القائمة. يرفض اليسار الليبرالي عمومًا التعامل مع تلك الاعتبارات بصفتها اعتبارات عقلانية في كل أمر. وثالثًا، تعتمد السياسة الليبرالية أسس الموقف الفردي الذاتي، ولا تأخذ بعين الاعتبار أهمية الشعور بالانتماء وأهمية الوجود "معًا". ولذا يجري اعتبار تلك السياسة الليبرالية بأنها سياسة غريبة ومستهجَنة.

إستنتاجنا، بناءً على ما سبق، هو أنه فقط السياسة الاشتراكية التي تتعامل بصورة حقيقية مع الجراح الاجتماعية وتقترح حلًا آخر - بإمكانها تغيير حالة الواقع السائد. ومقابل سياسة التخويف التي ينتهجها اليمين يجب أن يكون الجواب طرح بديل يتعامل مع الخوف بالجدية المناسبة. إلا أنه عليه أن يكون من الناحية الأخرى قادرًا على إقناع الجمهور باستعداده وبمقدرته على تحقيق واقع يخدم مصالحه.

الأمن، ما هوَ؟

يسّمي اليمين تعميق الاحتلال باسم "الأمن". ولكن طريقه تمسّ في نهاية المطاف بالأمان الشخصي، وبالأمان الاجتماعي-الاقتصادي بالتأكيد. نواج٧ جميعنا قلقًا يوميًا بخصوص المعيشة ومستقبل العائلة ومسائل التربية والتعليم والصحة وإمكانيات التطوّر الفرديّ والجماعيّ.

الربط بين هذه القضايا اليومية للوجود وبين المسائل السياسية هو أمر إلزامي لسببيْن: أولًا، استمرار النزاع ومواصلة مشروع الاستيطان والاحتلال بكل مصاريفها الكبيرة يؤثّر تأثيرًا حاسمًا على المقدرة على توجيه الموارد لمجالات أخرى، كالتعليم والصحة مثلًا. وثانيًا، وكما كنّا قد ادّعينا سابقًا، ليس بالإمكان تجنيد غالبية تدعم إنهاء الاحتلال وضمان الحل السياسي للصراع إذا تمّ تجاهل الاحتياجات والواقع اليومي للمواطنين والمواطنات. لن ينجح ببساطة معسكر سلام أعمى من الناحية الاجتماعية بإحداث التغيير هنا. والمقصد هنا هو عدم الاكتفاء بالهتاف في المظاهرات: "النقود للأحياء لا للمستوطنات"، لأنه دون التواصل الحقيقي مع الأحياء سيتم اعتبار هذا الشعار، وبحق، شعارًا فارغًا. إن تواصل كهذا يستلزم التطرّق بجدية للأمان الشخصي والجماعيّ جنبًا إلى جنب مع تطوير موقف لأمنٍ بديل.

يتميّز عالم اليوم بمستوى كبير من عدم الثقة، وبخصخصة دولة الرفاه وانسحاب الدولة من المسؤولية عن رفاهية السكان. ينعكس هذا على غياب متواصل ومتصاعد جدًا بالثقة بمستقبلنا: هل سيتم فصلنا من العمل وسنبقى بدون مدخولات في وقت الشيخوخة؟ وهل سيتواجد جهاز طبي فعال عندما نحتاج إليه؟

لذا لا يمكن قياس الأمن والأمان في عالمنا حسب عدد الجنود فقط وكمية السلاح المتطور ومدى نشره في المواقع. يُقاس الأمن الحقيقي بالقدرة على خفض مستوى عدم الثقة في حياتنا عمومًا قدر المستطاع. أمن كهذا يشمل أيضًا الجواب على أسئلة مِثل: هل نستطيع الوثوق من مقدرتنا على كسب الرزق طوال الوقت، وهل سيكون بإمكاننا العيش بكرامة بعد تقاعدنا عن العمل، وإذا مرضنا واحتجنا للعناية - هل سيتاح لنا الحصول عليها، وهل سيتوفّر لأولادنا سقف بيت للسكن عندما يغادرون بيت أهلهم.

الكفاح من أجل السلام يتطلب شراكة يهودية–عربية

من المهم الفهم أن المصلحة بالأمان ليست مصلحة لليهود فقط في إسرائيل. أيضًا للفلسطينيين مواطني إسرائيل، الذين يشكلون خُمس سكان الدولة، توجد مصلحة كبرى بالأمان. يعيش الفلسطينيون في الدولة في خوفٍ وجودي لأن مكانتهم ومكانهم في المجتمع مهددان يوميًا. النخبة السلطوية ترعى العنصرية وتحرّض بدون توقّف ضدهم وضد قيادتهم السياسية، وهم يعانون بشدّة خاصة من غياب الأمان الاجتماعي والاقتصادي. نسبة الفقر والجريمة والعنف وسط المواطنين العرب أعلى بكثير من نسبتها بين اليهود. لذا فالجمهور العربي، لكونه مضطهَدًا ومميَّز ضده، يعاني من الوضع الاقتصادي، النظام السياسي والسياسات السائدة، وهو صاحب مصلحة واضحة بالتغيير.

لذا سياسة التغيير في إسرائيل مُلزمة بالارتكاز والاعتماد أيضًا على دعم جدي من قِبل الجمهور العربي. تستلزم الشراكة السياسية اليهودية–العربية الكفاح المشترك والمثابر من أجل المساواة التامة والعدالة التوزيعية على الصعيد المادي: الأرض وتوظيف الميزانيات ومناطق التطوير. وعلى الصعيد الرمزي – مكانة اللغة والثقافة العربية، وأيضًا التواجد في مراكز القوّة – التمثيل المتساوي في المؤسسات، مثلًا في سلطة الأراضي.

سياسة التغيير من أجل مجتمع تسوده المساواة والعدالة يجب أن تكون سياسة يهودية–عربية لأسباب مبدئيّة ولمبّررات عملية أيضًا. مبدئيًا، ما من وجود لمجتمع عادل بدون مساواة يهودية–عربية وبدون إصلاح للظلم وانتهاك حقوق المواطنين العرب في إسرائيل وإلغاء عزلهم وإقصائهم المتواصل. وعمليًا، لأن الشراكة الفعّالة مع المواطنين العرب حيويّة ولازمة لبناء قوّة تغيير هامة ومؤثّرة.

لإحداث التغيير في المجتمع الإسرائيلي يجب استبدال التفرّع الثنائي: "نحن اليهود – هم العرب" الذي تقترحه السلطة بتفرّع ثنائي آخر هو "نحن الغالبية المطلقة من مواطني دولة إسرائيل – هم نخبة سلطة المال والمستوطنات".

الشراكة اليهودية–العربية هي بالتأكيد موضوع متشابك ومعقّد. ينبع تعقيده من وجود فصل عميق بين اليهود والعرب في المجتمع الإسرائيلي. هذا الفصل قائم في غالبية مجالات الحياة، وفي السياسة تزداد حدّته ووقعه بشكل خاص. لذا فكل محاولة لخلق شراكة يهودية–عربية تتطلب السباحة عكس التيار. ومن المهم الفهم أنه في أوساط اليهود يسيطر الخوف من العرب، وتنتشر بين العرب أيضًا روح اليأس من اليهود ومن إمكانية التغيير في إسرائيل.

رغم هذا، من الواضح أن هناك مصلحة مشتركة للمجموعتين. الشراكة هي من مصلحة  العرب لأنه بدون التواصل مع قوى مؤثرة داخل الجمهور اليهودي لن ينجحوا بالتقدم نحو المساواة  في المجتمع الإسرائيلي. ولليهود الذين يريدون مجتمعًا أفضل، مجتمع عادل ومتكافئ، توجد أيضًا مصلحة بالشراكة هذه، ذلك لأن التجنّد الجماهيري للجماهير العربية في الجهود من أجل التغيير يساهم جديًّا في بلورة غالبية تدعم التغيير.

من الواضح أيضًا أن الشراكة تقود نحو موقف أكثر أخلاقية، وبالذات وبالتأكيد في واقع أصبحت فيه الكراهية والعنصرية الفكرة السائدة والمتحكّمة. هذا دون التطرّق إلى أنه ليس بالإمكان بناء مجتمع تسوده العدالة والمساواة بدون عمل سياسي مشترك للعرب واليهود. وأخيرًا، من الواضح أن بناء علاقات أخرى بين اليهود والعرب في داخل الدولة هو أمر حيوي لمحاولات إسرائيل للاندماج في محيطها الكبير.

لكن حتى مَنْ ينجح في تشخيص المصلحة المشتركة عليه الاعتراف بأن التجربة اليومية، بكل ما تُنتجه من مشاعر، تفصل بين اليهود والعرب وحتى بين هؤلاء المعنيين جدًا بالشراكة. لذا، فإن هذا الجهد لا يجوز أن يكون لمرة واحدة ويجب أن يكون جهدًا متواصلًا، مشحونًا بحساسية مرهفة لمشاعر الصدمة النفسية والآلام والجروح التي عايشها الشعبان.

ممنوع التنازل عن بناء جسر سياسي بين اليهود والعرب في إسرائيل، رغم أن وضعه مهزوز ولم تبقَ إلا فئة قليلة من الأشخاص  الذين يدافعون عنه. هذا الجسر حيويّ رغم أن الجماهير لا تستعمله في الظروف الحالية، لا الجمهور اليهودي ولا العربي. كل تنازل عنه سيؤدي في نهاية المطاف إلى سياسة تفضّل القومجية على المساواة والعدالة. لذا، فإن التحدي هو إيجاد الطريق لتحويل الآلام والضائقات والتطلعات لعموم المجموعات المختلفة التي يتكوّن منها المجتمع الإسرائيلي إلى قاعدة يكون بالإمكان بناء مبنى مشترك عليها. لقد أظهرَ الاحتجاج الاجتماعي في سنة 2011 الاتجاه الذي من الممكن مواصلة المسيرة بناءً عليه، ذلك عندما ظهر أن "الشعب" الذي يطالب بالعدالة الاجتماعية يشمل اليهود والعرب أيضًا.

يجب ألاّ تكون الشراكة بين اليهود والعرب شراكةً بين أشخاص تنازلوا عن انتمائهم القومي. على العكس، بإمكان الشركاء أن يكونوا، ويجب أن يكونوا، مرتبطين جدًا بشعبهم وبالتقاليد والثقافة القومية. وبالمناسبة، يمكن العثور على الكثير جدًا من المركّبات التقدمية الهامة والمناسبة في العادات والثقافات، ليس فقط بما يخص العلاقة مع الآخر، وإنما أيضًا بخصوص الموقف والمعاملة والسلوك تجاه المجتمع والسلام والعدالة.

عرضنا في أجزاء سابقة من هذا الكتاب أمثلة عن التواصل مع التقاليد اليهودية كجزء من تطوير فِكر معادٍ للرأسمالية. تلك الأمور تتلاءم أيضًا مع التقاليد القومية العربية، وكذلك الأمر بالنسبة للتقاليد الإسلامية والمسيحية والدرزية. يجب ومن المهم معرفة مكوّنات ومركّبات العدالة والشراكة التي تشملها.

ليس بالإمكان في ظل وجود نزاع قوميّ متواصل تطوير إستراتيجية اشتراكية وعمل وتصرّف اشتراكي. ليس من السهل عبور حدود المجموعة القومية، وبالتأكيد ليس سهلًا تجنيد غالبية من بين المجموعات المتضرّرة من الواقع الآني.

ليس سهلًا، ولكنه ضروري. ليس سهلًا، لكنه بالتأكيد ممكن بحال كان الموقف الاشتراكي ثابتًا ومستقيمًا ومطالبًا بإصلاح كل أخطاء المجتمع الإسرائيلي، يحترم التقاليد والمعتقدات التي تؤمن بها مختلف الشرائح التي تُركّب الفسيفساء الإسرائيلية، وبشرط أن يتعامل بجدية واحترام مع مخاوف الناس. ومخاوف اليهود والعرب الذين يعيشون هنا هي مخاوف حقيقية. هي ليست حكرًا للسلطة تستعملها وتتلاعب بها كما تشاء. الاعتراف بالمخاوف وبكون الواقع في أيامنا مخيفًا حقًا هو الطريق لتحويل المخاوف إلى نقطة انطلاق لبدء بناء مجتمع آخر. مكان لنا جميعًا.

ترجمة: سميح غنادري

لشراء الكتاب بسعر مخفّض اضغطوا على الرابط وادخلوا الرقم5221